المجال المغناطيسي للأرض؛ تعرف إليه معنا وعلى سبب وجوده وأهميته

11 يناير 2024 - 1:18 م

الكثير منا ربما سمع عن مصطلح “المجال المغناطيسي للأرض” (Earth’s Magnetic Field)، ولكن الكثير أيضًا ربما لا يعرف أنه من وقت لآخر، تنقلب الأقطاب المغناطيسية للأرض، مما يتركنا بدون مجال مغناطيسي وقائي لمدة تصل إلى قرون في كل مرة، فما سبب تكون أو انقلاب المجال المغناطيسي للأرض؟ وما هي خصائص المجال المغناطيسي للأرض؟. تعرف إليه معنا وعلى سبب وجوده وأهميته، وأيضًا أبرز 5 خصائص لهذا المجال.

تسجيل جين رانك باست…تسجيل جين رانك باستخدام رابط دعوة

ما الذي يسبب المجال المغناطيسي للأرض؟

تتولد المجالات المغناطيسية في أي قضيب مغناطيسي بواسطة الشحنات الكهربائية خلال هذا القضيب. وهذه الشحنات المتحركة عبارة عن إلكترونات تدور في ذرات. أما بالنسبة للأرض، فإن التفاصيل ليست مفهومة جيدًا. ولكن بشكل أساسي يؤكد العديد من العلماء أن التيارات الكهربائية داخل القلب الحديدي المنصهر للأرض، تزامنًا مع الحركة الطبيعية الناتجة عن دوران الأرض تؤدي إلى وجود مجال مغناطيسي.

حينها تتوسع المادة الساخنة الموجودة في قلب الحديد الخارجي السائل للأرض، وتصبح أقل كثافة من محيطها، وبالتالي ترتفع للأعلى. وعندما تبرد يمنعها دوران الأرض من أن تغوص للأسفل مرة أخرى. ويدور السائل حول لب الأرض، ويؤدي الاحتكاك بين طبقاته المختلفة إلى تولد شحنات. تمامًا مثل المشط البلاستيكي الذي يفرك على سترة من النايلون. هذه الشحنات المتحركة هي التي تولد المجال المغناطيسي للأرض.

يقول علماء الفيزياء بأنه يمكن وصف الكرة الأرضية بصورة فيزيائية عامة كونها مغناطيس كبير ينبعث منه مجال مغناطيسي بين قطبيه. ويسمى هذا المجال المغناطيسي الذي يحيط بالكوكب باسم الغلاف المغناطيسي (Magnetosphere)، ويمتد لأكثر من 36000 ميلًا في الفضاء. بالتالي، يتضح لنا أن الركنين الأساسيين لنشأة المغناطيسية الأرضية هما لب الأرض السائل ودوران الأرض. ونحن نعلم هذا لأن كوكب الزهرة على الرغم من أن حجمه وتركيبه يشبهان كوكب الأرض تقريبًا.

من المثير للاهتمام أن كوكب الزهرة ليس له مجال مغناطيسي أساسًا. حيث أنه يحتوي على قلب سائل ولكنه يدور ببطء، حيث يدور مرة واحدة فقط كل 243 يومًا من أيام الأرض.

خصائص المجال المغناطيسي للأرض

فيما يلي بعضًا من خصائص المجال المغناطيسي للأرض:

  • ينتج المجال المغناطيسي للأرض في الغالب بسبب التيارات الكهربائية في اللب الخارجي السائل للأرض، جنبًا إلى جنب مع تأثير الدوران الكلي للكوكب.
  • التيارات الكهربائية المسببة للمجال المغناطيسي تصطف في لفات على طول المحور القطبي الشمالي الجنوبي.
  • قوة المجال المغناطيسي تتغير من منطقة لأخرى على سطح الأرض، تصل حتى 0.6 جاوس حول القطبين المغناطيسيين في شمال كندا وجنوب أستراليا، وجزء من سيبيريا.
  • متوسط ​​شدة المجال المغناطيسي في اللب الخارجي للأرض حوالي 25 جاوس، وهو أقوى 50 مرة من المجال المغناطيسي على السطح.
  • تولد التيارات الكهربائية المستحثة في طبقة الأيونوسفير أيضًا مجالات مغناطيسية، ويتم تولد مثل هذه المجالات دائمًا عند أماكن اقتراب الغلاف الجوي من الشمس.

جاوس (Gauss): وحدة قياس شدة المجال المغناطيسي، أو ما يسمى شدة الفيض أو الحث المغناطيسي، سميت هذه الوحدة على اسم العالم الألماني كارل فريدرش جاوس (Carl Friedrich Gauss) تكريمًا له.

“اقرأ أيضًا: تاريخ القارة القطبية أنتاركتيكا قارة القطب الجنوبي“

ما مدى تغير المجال المغناطيسي للأرض؟

حقيقةً أن المجال المغناطيسي للأرض يعتمد على التيارات الكهربائية التي تحملها المواد المنصهرة المتحركة في باطن الكوكب المضطرب. يعني أنه متغير بطبيعته، كما يتضح من التجوال الحالي للقطب المغناطيسي الشمالي (من المستغرب أن القطب المغناطيسي الجنوبي لا يتحرك بسرعة مثل القطب الشمالي).

لا شك أن موثوقية الحماية التي يوفرها المجال المغناطيسي للأرض المتولد عن التشنجات أو التقلبات الداخلية العنيفة، هي التي مكنت الحياة على الأرض من الاستمرار لما يقرب من 3.8 مليار سنة على الأقل.

“اقرأ أيضًا: اختفاء القمر، وعن: كسوف الشمس“

انقلاب الأقطاب المغناطيسية للأرض

على الرغم من أن المجال المغناطيسي للأرض يشبه إلى حد بعيد المجال المغناطيسي لأي قضيب مغناطيسي، مع وجود قطبين شمالي وجنوبي. إلا أنه ليس مستقرًا لأنه ينشأ بواسطة عمليات معقدة داخل الأرض. وهذا يتسبب في انقلاب أو انعكاس الأقطاب المغناطيسية.

أظهرت نماذج المجال المغناطيسي للأرض استنادًا إلى ملاحظات الأقمار الصناعية، أن تجوال أو تحرك الأقطاب المغناطيسية حاليًا هو نتيجة معركة شديدة بين الحقول المغناطيسية في أعماق الكوكب.

تاريخيًا، كان القطب الشمالي يتحرك بحوالي 15 كيلومترًا في السنة. ولكن منذ تسعينيات القرن الماضي، تسارعت وتيرته، وهو الآن يتحرك بسرعة 55 كيلومترًا سنويًا نحو سيبيريا. وهذا قد ينذر بـ “انعكاس مغناطيسي” (Magnetic Reflection) يغير فيه القطبان المغناطيسيان الشمالي والجنوبي مواقعهما. وقد حدث هذا 171 مرة في 71 مليون سنة ماضية.

“اقرأ أيضًا: العناقيد المجرية“

ماذا سيحدث إذا اختفى هذا المجال من الكون؟

اكتشف العلماء الانعكاسات المغناطيسية عن طريق قياس المجال المغناطيسي للأرض على جانبي منتصف المحيط الأطلسي التي تنبثق منها الصخور المنصهرة. حيث تنبثق هذه الصخور تمامًا مثل خروج معجون الأسنان من الأنبوب. وأثناء تصلبها تتحاذى بلوراتها على طول اتجاه المجال المغناطيسي الأرضي في ذلك الوقت. تاركة ما يمكن اعتباره أنه “شريط تسجيل” للانعكاسات.

يُعتقد أن الانعكاسات تحدث على مدى 1000 إلى 10000 عام. وخلال هذه الفترة يتقلص الحقل المغناطيسي إلى الصفر قبل أن ينمو مرة أخرى مع القطبية المعاكسة. لذلك كانت هناك أوقات – ربما حتى قرون – لم يكن للأرض وقتها مجال مغناطيسي بشكل أساسي، ويعد هذا أمرًا خطيرًا على الحياة، نظرًا لأن المجال المغناطيسي للكوكب يمتد بعيدًا في الفضاء ويخلق فقاعة واقية حول الأرض، مما يحمي سطح الكوكب من إعصار جزيئات “الرياح الشمسية” للشمس (Solar Wind)، وجزيئات “الأشعة الكونية” ذات الطاقة الأعلى الآتية من الفضاء السحيق.

وعادة يتم توجيه هذه الأشعة بأمان إلى الأسفل عند القطبين، مما يخلق الشفق القطبي (Aurora)، وبدون هذا المجال المغناطيسي الوقائي، فإن مثل هذه الإشعاعات المميتة ستزيد من معدل تحور الخلايا الحية، مما يؤدي إلى الإصابة بالسرطان. ومع ذلك، وبتقدير من الله، فقد نجت الحياة من عدد كبير من مثل هذه الأحداث من قبل دون أن تُمحى.

“اقرأ أيضًا: الانفجار العظيم، وعن: التفكير العلمي“

كيف تستخدم الحيوانات هذا المجال للتنقل؟

تظهر العديد من المخلوقات مآثر رائعة في الملاحة. لذلك نشأ الشك في أن لديهم نوعًا من الحس المغناطيسي، مما يمكنهم من اكتشاف خطوط المجال المغناطيسي للأرض بين القطبين. ومع ذلك، فقد ثبت أن تحديد الآلية أمر صعب، لكن تم إحراز تقدم في عام 2021 من قبل العلماء اليابانيين الذين يحققون في آلية هذه العملية منذ سنوات عديدة.

في السبعينيات من القرن الماضي، لاحظ ريتشارد بلاكمور (Richard Blackmore)، وكان طالب دراسات عليا في الولايات المتحدة، كائنات وحيدة الخلية تتدفق في اتجاه ثابت في بركة موحلة، وأظهر أنها تستجيب لمجال مغناطيسي، واكتشف علماء الأحياء لاحقًا أن هذه الكائنات وحيدة الخلية تحتوي على أكياس صغيرة من أكسيد الحديد المغناطيسي (Iron Oxide) أو كبريتيد الحديد (Iron Sulfide).

حاليًا، أظهر الباحثان نوبورو إيكيا (Noboru Ikea)، وجوناثان وودوارد (Jonathan Woodward) من جامعة طوكيو، أن المجال المغناطيسي يسبب تغيرات كيميائية يمكن أن تؤثر على السلوك الخلوي. وقد تحققوا من ذلك بمساعدة مادة كيميائية خلوية تتألق أو تتغير اعتمادًا على المجال المغناطيسي الخارجي. فعندما لوحوا بمغناطيس بالقرب من الخلايا، تضاءلت المادة الكيميائية بنسبة تصل إلى 3.5%. وربما هذه المشاهدات تفسر كيف تستخدم بعض الكائنات المجال المغناطيسي للتنقل.

يتضح لنا أن المجال المغناطيسي للأرض له أهمية قصوى لاستمرار الحياة عليها، لأنه يصد معظم الأشعة الكونية الضارة، وعلى الرغم من حدوث انقلاب للمجال المغناطيسي للأرض فإن هذا لم يشكل خطرًا على الحياة من قبل، وما زلنا نكتشف كل يوم سرًا من أسرار الكون العظيم، وصدق رب العزة حين قال: (إنا كل شيء خلقناه بقدر).